مبادرة بالـ «تكاتف» نطور المدارس الحكومية

DSC_1780

عزيزى القارئ حدث ولا حرج عما يطلق عليه المدارس الحكومية التى من المفترض أن تكون المكان المعنى بتلقين أبنائنا العلم والأخلاق وهى فى الحقيقة متهالكة للغاية ومهملة ونظراً لثقل الأعباء المالية على وزارة التربية والتعليم وعدم قدرتها على تحمل التكاليف الباهظة لتطوير وترميم المدارس الحكومية، فقد اهتمت العديد من جمعيات المجتمع المدنى بإعادة إحياء تلك المدارس، وتوفير التمويل اللازم لها، وتأتى جمعية «تكاتف للتنمية» التى يترأسها د. حسام بدراوى فى المقدمة، حيث إنها تبادر بشكل جاد ومنظم فى توفير أعمال التطوير اللازمة للمدارس الحكومية المتهالكة. مدرسة أم المؤمنين الإعدادية بنات بالسيدة زينب هى واحدة من أقدم المدارس بهذا الحى العريق، فقد تولت تخريج دفعات من الطالبات المجتهدات على مدار أجيال متعاقبة، إلا أنها فى السنوات الأخيرة أصبحت تعانى من حالة تردٍ شديد فى ظل وقوف الوزارة عاجزة عن تقديم يد عون لها، حتى أصبحت تشكل خطورة على الطالبات والعاملين بها، وهذا ما دفع «تكاتف» لوضع خطة لتطوير المدرسة بشكل عاجل، وفى أقل من عام أصبحت قادرة على منافسة أهم المدارس الخاصة كما هو مبين بالصور. وفى محاولة لتسليط الضوء على عمل جمعية «تكاتف» للتنمية، التقت «صباح الخير» بميراى نسيم المدير التنفيذى للجمعية وقالت لى: «نحن نهتم بشكل أساسى بتلبية احتياجات محدودى الدخل والمناطق الأشد فقراً، والمدارس الحكومية وليس التجريبية لأن المدارس الحكومية تخدم شريحة من المجتمع غير قادرة مادياً على الارتقاء بتعليم أبنائهم.

• بروتوكول تعاون

وعملنا يتم بشكل ممنهج ومن خلال بروتوكول تعاون مبرم مع وزارة التربية والتعليم، يضمن تعاون الوزارة الكامل معنا فى سبيل تطوير هذه المدارس، حيث تتولى الوزارة ترشيح المدارس الأشد احتياجاً لأعمال الصيانة والترميم التى أيضاً لا تدخل ضمن خطة الوزارة لتطوير المدارس لأنها تحتاج لتكاليف باهظة، وتحديداً هذه الفئة من المدارس هى التى نبحث عنها ونحاول أن نوفر لها التمويل اللازم. مدرسة أم المؤمنين على سبيل المثال قمنا بتطويرها فى 7 أشهر بتكلفة 3.5 مليون جنيه التى كانت تستوعب 404 طالبات، أما بعد التجديد فيمكن أن يصل العدد إلى 648 طالبة، وقمنا بنقل المخازن التابعة للإدارة التعليمية من المدرسة وفصلنا مبنى كنترول الإدارة عن المبنى التعليمى، كما خصصنا حجرات للأنشطة المدرسية التى كانت غير موجودة أساساً من قبل كالتربية الموسيقية والألعاب الرياضية والإذاعة والصحافة وقاعة المعرض الدائم للأنشطة المدرسة، وقمنا أيضاً باستغلال جزء من أعلى سطح المدرسة وتمت تغطيته ببرجولة خشب ليكون مكانًا للطالبات يمارسن فيه بعض النشاطات فى الهواء الطلق بعيداً عن الفصول، بالإضافة إلى تجهيز العيادة على أعلى مستوى كى تخدم أهالى المنطقة أيضاً، كما التزمنا أيضاً بتلبية احتياجات الفتيات ذوات القدرات الخاصة، حيث وفرنا لهن دورة مياه مستقلة بمعايير خاصة، خصصنا لهن فصولاً فى الدور الأرضى بأبواب عرضها أكبر من الأبواب العادية كى تسمح بدخول الكراسى المتحركة أو أى أجهزة مصاحبة لهن، أما الألوان فقد أوليناها اهتمامًا خاصًا فكما ترين هى ألوان مبهجة مليئة بالطاقة بعيدة تماماً عن الألوان القاتمة والباهتة التقليدية التى اعتدنا أن نراها فى المدارس. ووفقاً للبروتوكول المبرم بيننا وبين وزارة التربية والتعليم فنحن نلتزم بصيانة التجديدات التى تتم على المدارس لمدة عام كامل ثم نسلمها بعد ذلك للوزارة، لكننا بالتأكيد نتدخل فى أى وقت مادامت الوزارة تطلب منا ذلك، فهدفنا الأساسى هو تنمية المدارس والحفاظ عليها بحلتها الجديدة والجميلة».

• الاحتياجات الفعلية

أما ليلى شهد مدير المتابعة والتقييم بجمعية تكاتف فتقول: «دورى هو متابعة تنفيذ الجمعية لكل برامج التنمية والتطوير وتقييمها بعد الانتهاء منها، للتأكد من أن أعمال التطوير قد لمست بالفعل الاحتياجات الملحة والضرورية للأفراد ولبت احتياجاتهم، ولقياس ذلك نحن نعقد جلسات رأى وحوار مع المستفيدين من الخدمات لقياس مدى رضاهم، بالإضافة إلى الاستبيانات التى تعطينا نسبًا واضحة عن مدى تحقيق برنامج التطوير للأهداف المرجوة منه، لأن كل مشروع له معاييره وأهدافه الخاصة». وكان هذا كلام ليلى شهد خلال زيارة «صباح الخير» لمدرسة أم المؤمنين بعد أن وجهت لها ميراى نسيم دعوة لزيارة المدرسة وحضور أحد البرامج التدريبية للمدرسين التى تقدمها تكاتف بالتعاون مع جمعيات أخرى مختصة فى مجال التنمية البشرية، وكان عدد المدرسين الحاضرين محدودًا، لكن هذه هى طبيعة الدورة التدريبية، حيث تعتمد على الجانب العملى أكثر من النظرى لذلك هى قسمت أعداد المدرسين على عدة محاضرات.

• دورات تدريبية

وفى محاولة لاستيضاح أهمية هذه الدورات التدريبية سألت نهى النجار إخصائية نفسية كانت تحاضر بالبرنامج التدريبى للمدرسين عن موضوع المحاضرة فقالت: «هى محاضرة تدريبية عن كيفية تعامل المدرس وتفهمه لنفسية الطالب المراهق، وهذا يتطلب بالضرورة أن يتعرف كل مدرس على طبيعة شخصيته هو أولاً حتى يتمكن من التحكم فى انفعالاته أمام الطلاب، وعادة ما نجد مقاومة نفسية من المدرسين وعدم الرغبة فى تلقى معلومات قد تكون جديدة على أفكارهم وتصطدم بمعتقداتهم، لذلك فإن أول محاضرة فى البرنامج هى عن معرفة الذات وقياس مرحلة النضج النفسى ثم استعراض بعض التصرفات التى قد تصدر من المدرسين تجاه الطلاب، وهى فى الحقيقة تصرفات غير صحيحة وقد تدمر العلاقة بين الطالب والمدرس، ثم بعد ذلك نستعرض الأساليب النفسية التى يمكن استخدامها لتعديل سلوك المراهق دون اللجوء لأى شكل من أشكال العنف أو العقاب المؤلم نفسياً وجسدياً. وتطبيقاً لكلام نهى تقول ريهام عادل معلم أول اقتصاد منزلى: «صادفت العديد من المشكلات مع الطالبات خلال مشوارى المهنى، والكثير منها ناتج عن التفكك الأسرى الذى يخلق لدى الفتاة حالة من العدوانية والطبع الحاد، لذلك أنا حريصة على حضور البرنامج التدريبى حتى أتعرف على بعض الحلول لهذه المشكلات. وعن اهتمام جمعية تكاتف بالتنمية البشرية فى إطار تحقيق تطوير شامل للمدارس الحكومية تقول سارة محمد مشرفة البرامج التدريبية بالجمعية: «دورى يبدأ بعد تطوير منشآت المدرسة، حيث أهتم بتطبيق بعض البرامج التدريبية للتلاميذ فى إطار نشاط مدرسى ومسابقات بعيداً تماماً عن الإطار الممل وإلقاء الحكم والمواعظ، فهم عادة يكونون شركاء معنا فى رسم البرنامج التدريبى، حيث نطلب منهم مقترحات مثلاً لنشاط مدرسى يهدف للحفاظ على نظافة المدرسة، حتى الدورات التدريبية للمدرسين هم شركاء فيها أيضا، فنحن نعقد معهم جلسات استماع ونطلب منهم اختيار موضوع الدورة التدريبية، وهذا ما حدث تماماً فى مدرسة أم المؤمنين هنا، حيث طلب المدرسون عقد برنامج تدريبى حول التعامل مع الشباب فى سن المراهقة، فتعاونا مع مؤسسة الحياة للتنمية البشرية لوضع البرنامج التدريبى الذى يخضع له معلمو مدرسة أم المؤمنين حالياً.

• الحفاظ على المدرسة

وحول إمكانية الحفاظ على تطوير مدرسة أم المؤمنين الإعدادية بنات تقول سوسن أحمد مديرة المدرسة: «سأساعد فى استمرار وتنوع فى الدورات التدريبية، فلن تقتصر على الشق النفسى والتربوى فقط، بل سأهتم أيضاً بالنواحى الطبية وتوعية الفتيات بمبادئ الحفاظ على الصحة العامة، سوف أهتم أيضاً بتجميل مبنى المدرسة بشكل مستمر وسوف يتم زراعة 15 شجرة بالتعاون مع رئاسة حى السيدة زينب، سوف أهتم بالتربية الموسيقية، حيث لم يكن وضع المدرسة يسمح فى السابق بوجود مدرس تربية موسيقية، لكن الآن نحن بأمس الحاجة له خصوصاً بعد أن ساعدتنا جمعية تكاتف بتشكيل كورال من فتيات المدرسة، وسأفعل النشاط المسرحى من خلال تدريب الفتيات على تمثيل قصة من المنهج الدراسى، فهذا بالتأكيد سوف يساعدهن على استيعاب المنهج بطريقة ممتعة بعيدة عن الروتين الدراسى، المدرسون فى مدرسة أم المؤمنين منفتحون للغاية على أساليب التدريس غير التقليدية والنشاط المدرسى على الرغم من ضعف إمكانيات المدرسة فى السابق، لكن المدرسين والمدرسات هنا كان لهم عدة تجارب فى هذا الشأن.

• ربط الرياضيات بالفن

وعن التجارب المختلفة فى التدريس التى اندهشت لها كثيراً تقول منى عبدالسميع مراد مدرسة رياضيات: «حصة الرياضيات هى من الحصص المملة فى كل المدارس، لذلك حاولت أن أبتكر طريقة مختلفة تساعد الفتيات فى حل مسائل الرياضيات وتذكر كل نظريات المنهج، من خلال ممارسة الأنشطة الفنية، فمثلاً أعلم الفتيات كيفية عمل مطوية على شكل وردة أو قلب ونكتب بداخلها نظرية من المنهج ومثال تطبيقى عليها، أؤكد لك أن هذه الطريقة فى التدريس تسهل أصعب النظريات والأمثلة وتحبب الفتيات فى المنهج، كما أنها تجعلهن أكثر هدوءاً وتركيزاً أثناء الحصة وتخلق علاقة طيبة بينى وبينهن. بعد أن أنهيت حديثى مع الأستاذة منى وجميع القائمين على تطوير المدرسة والمشاركين فيه، قمت بجولة داخل المدرسة وفرحت كثيراً لما رأيته وسمعته، وتمنيت من كل قلبى أن تتحول كل المدارس الحكومية إلى مصدر للبهجة والسرور للطلاب والأساس الذى يبنى بداخلهم القيم الجميلة والأخلاق.•

Updated on October 11th, 2016
Bookmark the permalink.

Comments are closed.